حين تُسْرَقُ البراءة

لطالما كان عالم الأطفال مرتعا خصبا نستريح فيه من هم المسؤولية و تبعات عالم الكبار.

لطالما رأينا فيه الصفحة البيضاء التي يحلو لنا قراءتها بأمان تام, و لكم هفى القلب إلى

سويعات في معيتهم خلت من التصنع و التكلف.

و كم رقص الثغر فرحا بكلماتهم الصغيرة الغامضة, و كم تسابقت خطواتنا الواسعة

مع خطواتهم البسيطة الضعيفة و هي تتلذذ بلحظات الماضي الحاضر.

كان عالم الطفولة بحرا من البراءة هادئ رغم عواصف الزمن, و جميل مهما غطته

أدخنة البلاء.



أما اليوم فقد سُرقت البراءة و انقلب حال العالم الأبيض الوردي الجميل إلى زُقاق

من الأسى و النمو المبكر الذي حرمنا لحظات الاستراحة الطفولية.

لقد كبر أطفالنا قبل الأوان,شأنهم شأن زراعات و منتوجات هذا الزمان التي

تبرز في أيام و تنتهي في دقائق لتنهي أعمارنا ببطء سريع.

كبر الأطفال يا سادة و هم صغار, فترى الصبي ذو الخمس سنين له هموم

ابن الثلاثين و الأربعين.

ماذا حدث ؟

لماذا سُرقت البراءة بهذه البشاعة؟

من سلبنا فرحة استراحة عالم الصبيان ؟



ما حدث ببساطة هو غزو كرتوني بشع, أتى على الأخضر و اليابس في حديقة

الطفولة السرية.

دمر كل شيء, غير كل شيء, أساء إلى كل شيء...............................

غابت بساطة كرتونات جيل الثمانينات و التسعينات بألوانه البدائية المتواضعة

و سيطرت هموم الابعاد الثلاثية برسومها المتطورة على حياة الصغار فأَرْدَتْ

أحلامهم الجميلة قتيلة.

أتى علينا يوم فأصبحنا نرى كرتونا لا يمت للقيم و الأخلاق بصلة,همه الوحيد

سلب إرادة الأطفال و سحبهم إلى عالم لم تصل أعمارهم إليه بعدُ.

مشاهد إباحية, أفكار شِرْكية كفرية , مبادئ مخالفة لديننا في المظهر و الجوهر

بل نشر للعقوق و التمرد و العصيان.

و أخطر ما في الأمر هو استلاب عقل الطفل و حرمانه من لذة التفكير و البحث

و التساؤل عن محيطه بسبب انشغاله طوال اليوم مع قنوات الكرتون التي لا

يتوقف بثها بتاتا, حتى صار للطفل عالم آخر من الصراعات بين شخصيات

مسلسلاته التي يتابعها بشغف.

فصار للكبار أبطالهم الكبار و صار للصغار أبطالهم الكرتونيون الصغار, حتى

عاد التكني بأسماء هذه الشخصيات أمرا لا مفر منه في أشرطة رسائل

هذه القنوات.



أشعر بالشفقة على هؤلاء الاطفال لانهم حرموا من أهم لحظات عمرهم,

سيأتي عليهم يوم يملون فيه نضجهم الباكر و السابق لأوانه و لن تكون

لهم حديقة سرية مثل ما كانت و لازالت عندنا نحن أطفال الثمانينات

و التسعينات.

سُرقت منهم البراءة و لم ينتبهوا لها ,و عندما يتذكرونها سيبحثون بأسى

في أنقاض أعماقهم......

فهل سيجدونها ؟



حين تُسرق البراءة فإن أشياء كثيرة تُسرق معها مع كامل الأسف....................

و من فينا لينقدها و يرعاها مثل ما رعاها الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم:

(( كنتُ خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال لي :

يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك )) [الترمذي عن ابن عباس]

و قال أيضا :

عَن أنَسٍ قالَ: سَمِعتُ النَّبِـيَّ يَقُولُ: «أكْرِمُوا أوْلاَدَكُمْ وَأحْسِنُوا آدابَهُمْ»

المزي،،( يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف أبو الحجاج المزي) ، في تهذيب الكمال ،

و حث حتى على تقبيلهم :

((جاء أعرابيٌّ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:

تقبلونَ الصبيانَ فما نُقبّلهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:

أوَ أملك لك أن نَزعَ اللّهُ من قلبِكَ الرحمة)).

رواه البخاري ، صحيح البخاري ،كتاب الأدب باب رحمة الولد ومعانقته وتقبيله

و لنا في تعامله مع حفيديه الحسن و الحسين العبر و الدروس:

عن عبد الله بن الزبير(: قد رأيت الحسن بن على يأتى النبى صلى الله عليه وسلم

و هو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذى ينزل ، و يأتى و هو راكع

فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر)) ابن حجر العسقلاني،تهذيب التهذيب



فهلا حمينا البراءة حتى لا يسرقها منا أعداء الله؟؟